رضوان مرعي
—————
وكأنه يحمل عين بعال في كفيه ويطير بها محلقاً نحو زمنٍ غاب، وكأنه بصوته القوي رغم ثقل السنين الطوال ينثر في البلدة صدىً من تلك الايام الخوالي معيداً الى دروبها وازقتها اصالة الشهر الفضيل في زمن الاجداد وحلاوة ايام الصيام ولياليه في زمنٍ غابت عنه تقاليد الشهر الفضيل وعاداته وصارت فيه خيم الرقص الرمضانية من ابرز سمات الصوم وعلاماته! …
انه الحاج حسين كيكي، ابن الاعوام الثمانين الذي كان مسحر بلدة عين بعال منذ ثمانية واربعين عاماً واكثر …
كان الحاج حسين يجوب شوارع عين بعال واحيائها في كل ليلة وقت السحور، يتأبط عصاه بيدٍ ويحمل باليد الاخرى مصباحاً كهربائياً يستعين به على الرؤية في الازقة المظلمة ….
يمشي منادياً الصائمين ليقوموا الى سحورهم، يناديهم باسمائهم فرداً فرداً، يحفظ بيوتهم واماكن سكنهم فينادي رب الاسرة بإسمه ثم يردد عبارته الشهيرة ( وحدوا الله … وحدوا لله ) …
هذا الرجل تمتع باصرار غريب وعزيمة لا تلين،حيث أنفق ما يقارب نصف قرن من الزمان يقوم بالمهمة المنهكة ذاتها ، حالة تبعث على الحيرة والتعجب، ولكن من عايش الحاج حسين وخبر قوة ايمانه ورسوخ عقيدته وتفانيه لخدمة الدين ولاسيما في الشهر الفضيل، زالت عنه كل امارات التعجب والحيرة ليبقى مكانها علامات الاعجاب والاحترام لهذا الرجل الكبير …
الحاج حسين لم يكن موظفاً ولا يتقاضى اجراً من احدٍ لقاء ما كان يقوم به من تسحير الصائمين، فعل ذلك لوجه الله تعالى، ولابأس إن اكرمه الصائمون بعيدية في يوم عيد الفطر السعيد …
يتحدث الحاج حسين عن مواقف طريفة قد صادفته كثيراً اثناء قيامه بالتسجير ليلاً، فهناك امرأة اغمي عليها بعدما سمعته يصرخ بأعلى صوت ( وحدوا الله ) بعدما ظنت ان احداً توفي، كما ان مغترباً عائداً الى البلدة بعد سنوات طويلة من الهجرة هاجمه يوماً طالباً اليه السكوت خوفاً من ان يوقظ الناس وقد ظنه مختل عقلياً ….
الحاج حسين ظل مصراً على متابعة مهمته الى ان يقضي الله امراً كان مفعولا،ولذلك فقد ثار غضبه قبل أعوام عندما اقترحت عليه جمعية محلية ان يبقى في منزله ويريح نفسه ويتولى اعضاء منها مهمة التسحير، وفرض رأيه مرغماً اياهم على ان يبقوا هم في منازلهم ليتابع هومهمته المستمرة منذ عشرات السنين و لكن تعب السنين أرهقه حتى ترك مهمته ..
قبل عامين عملت كشافة الرسالة الإسلامية فوج الأرض المقدسة عين بعال الذي تولى عناصره مهمة التسحير من بعد كيكي , عملوا على أخذه في جولة في سيارة التسحير لإعادة بعد أمجاده و لذة الشهر الفضيل …. و يبقى الحاج حسين كيكي أخر بركات الشهر الفضيل